الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وقال أيضًا: الطويل: فرددنا قراءة الجماعة إلى قراءة حمزة، أو نرد قراءة حمزة إلى قراءة الجماعة بأن نقول: معنى أزالهما: أي صرفهما عن طاعة الله، فأوقعهما في الزِّلةِ؛ لأن إغواءه وإيقاعه لهما في الزِّلة سبب للزوال، ويحتمل أن تفيد كل قراءة معنى مستقلًا، فقراءة الجماعة تؤذن بإيقاعها في الزِّلةِ، فيكون زلّ بمعنى: استزلّ، وقراءة حمزة تؤذن بتنحيتهما عن مكانهما، ولابد من المجاز في كِلْتَا القراءتين، لأن الزَّلَلَ أصله من زلّة القدم، فاستعمل هنا في زلّة الرأي والتنحية لا يقدر عليها الشَّيطان، وإنما يقدر على الوسوسة التي هي سبب التنحية.و{عنها} متعلّق بالفعل قبله، ومعنى عن هنا السَّببية إن أعدنا الضمير على {الشجرة} أي: أوقعهما في الزِّلة بسبب الشجرة.قال الزَّمخشري لفظة عن في هذه الآية كما في قوله: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} [الكهف: 82].ويجوز أن تكون على بابها من المُجاوزة إن عاد الضمير على الجنّة، وهو الأظهر، لتقدّم ذكرها، وتجيء عليه قراءة حمزة واضحة، ولا تظهر قراءته كلّ الظُهور على كون الضمير ل {الشجرة}.قال ابن عطيّة فأما من قرأ: {أزالهما} فإنه يعود على {الجنة} فقط.وقيل: الضَّمير للطاعة، أو للحالة، أو للسماء، وإن لم يجر لهما ذكر لدلالة السياق عليهما.وهذا بعيد جدَّا.قوله: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} الفاء- هنا- فاء السببية.وقال المَهْدَويّ: إذا جعل {فأزلهما} بمعنى زلَّ عن المضكَان كان قوله: {فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} توكيدًا، إذ قد يمكن أن يزولا عن مكان كانا فيه إلى مكان آخر، وزهذا الذي قال المَهْدَوِيّ أشبه شيء بالتأسيس لا التأكيد، لإفادته معنى جديدًا.قال ابن عطية: وهنا محذوف يدلّ عليه الظاهر تقديره: فأكلا من الشَّجرة، يعني بذلك أن المحذوف يقدر قبل قوله: {فَأَزَلَّهُمَا}.و{مَمَّا كَانَا} متعلّق بأخرج، وما يجوز أن تكون موصولة اسمية، وأن تكون نكرة موصوفة، أي: من المكان أو النعيم الَّذِي كانا فيه، أو من مكان، أو نعيم كانا فيه، فالجملة من كان واسمها وخبرها لا مضحَلّ لها على الأوّل ومحلّها الجَرّ على الثاني، ومن لابتداء الغابة.قوله: {اهبطوا} جملة أمرية في محلّ نصب بالقول قبلها، وحذفت الألف من {اهبِطُوا} في اللفظ؛ لأنها ألف وصل، وحذفت الألف من {قلنا} في اللفظ؛ لسكونها وسكون الهاء بعدها.وقرئ: {اهْبُطُوا} بضم الباء، وهو كثير في غير المتعدّي.وأما الماضي فهَبَطَ بالفتح فقط، وجاء في مضارعه اللّغتان، والمصدر الهبوط بالضم، وهو النزول.وقيل: الانتقال مطلقًا.وقال المفضل: الهبوط: الخروج من البلد، وهو- أيضًا- الدخول.وفيه نظر: لأن إبليس حين أَبَى عن السُّجود أخرج من الجنة لقوله تعالى: {فاهبط مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا} [الأعراف: 13] وقوله: {فاخرج مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ} [الحجر: 34] وزلة آدم وحَوّاء إنما وقعت بعد ذلك بمدّة طوسلة، فكيف يكون متناولًا له فيها وهو من الأضداد؟والضمير في {اهبطوا} الظاهر أنه لجماعة، فقيل: لآدم وحواء والحيّة وإبليس.وقيل: لهما وللحيّة.وفيه بعد؛ لأنّ المكلفين بالإجماع هم المَلاَئكة والجنّ والإنس.وقيل: لهما وللوسوسة.وفيه بعد.وقيل: لبني آدم وبني إبْلِيِسَ، وهذا وإن كان نقل عن مُجَاهد والحَسَن لا ينبغي أن يقال؛ لأنهما لم يولد لهما في الجنة بالاتفاق.وقال الزَّمَخْشَرِيّ: إنه يعود لآدم وحواء، والمراد هما وذرّيتهما؛ لأنهما لما كانا أصل الإنس ومتشعّبهم جعلا كأنهما الإنس كلهم، ويدلّ عليه: {قَالَ اهبطا مِنْهَا جَمِيعًا} [طه: 123].وهذا ضعيف؛ لأن الذّرية ما كانوا موجودين في ذلك الوَقْتِ، فكيف يتناولهم الخطاب؟ أما من زعم أن أقل الجمع اثنان، فلا يرد عليه شيء من هذا.قوله: {بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} هذه جملة من مبتدأ وخبر، وفيها قولان:أصحهما: أنها في محل نصب على الحال، أي اهبطوا متعادين.والثاني: أنها لا محل لها؛ لأنها استئناف إخبار بالعداوة.وأفرد لفظ {عدو} وإن كان المراد به جمعًا لأحد وجهين:إما اعتبارًا بلفظة بعض فإنه مفرد، وإمّا لأن عدوَّا أشبه بالمَصادر في الوزن كالقَبُول ونحوه.وقد صرح أبو البقاء بأن بعضهم جعل عدوّا مصدرًا، قال: وقيل: عدو مصدر كالقبول والولوع، فلذلك لم يجمع.وعبارة مكي قريبة من هذا.فإنه قال: وإنما وحد وقبله جمع؛ لأنه بمعنى المصدر، تقديره: ذوي عداوة ونحوه: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لي} [الشعراء: 77] و{هُمُ العدو فاحذرهم} [المنافقون: 4].واشتقاق العدو من عدا يعدو: إذا ظلم.وقيل: من عَدَا يَعْدُو: إذا جاوز الحق، وهما متقاربان.وقيل: من عَدْوَتَي الجبل، وهما طَرَفَاه، فاعتبروا بعد ما بينهما.ويقال: عدْوَة، وقد يجمع على أعداء.واللاَّم في {لِبَعْضٍ} متعلقة ب {عدو} فلما قدم عليه انتصب حالًا، فتتعلق اللام حينئذٍ بمحذوف، وهذه الجملة الحالية لا حاجة إلى ادّعاء حذف واو الحال منها؛ لأن الرَّبْطَ حصل بالضمير، وإن كان الكثر في الجمل الاسمية الواقعة حالًا أن تقترن بالواو.والبعض في الأصل مصدر بَعضَ الشيء يَبْغَضُهُ، إذا قطعه فأطلق على القطعة من النَّاس؛ لأنها قطعة منه، وهو مقابل كلًا، وحكمه حكمه في لزوم الإضَافَةِ معنى، وأنه معرفة بنيّة الإضافة فلا تدخل عليه أل وينتصب عنه الحال؛ تقول: مررت ببعض جالسًا وله لفظ ومعنى، وقد تقدم تقرير ذلك.و{لكم} خبر مقدم.و{في الأرض} متعلّق بما تعلّق به الخبر من الاستقرار.وتعلقه به على وجهين:أحدهما: أنه حال.والثاني: أنه غير حال، بل كسائر الظروف، ويجوز أن يكون {في الأرض} هو الخبر، و{لكم} متعلّق بما يتعلّق به هو من الاستقرار، لكن على أنه غير حال؛ لئلا يلزم تقديم الحال على عاملها المعنوي، على أن بعض النحويين أجاز ذلك إذا كانت الحال نفسها ظرفًا، أو حرف كهذه الآية، فيكون في {لكم} أيضًا الوجهان، قال بعضهم: ولا يجوز أن يكون {في الأَرْض} متعلّقًا ب {مستقر} سواء جعل مكانًا أو مصدرًا؛ اما كونه مكانًا فلأن أسماء الأمكنة لا تعمل، وأما كونه مصدرًا فلأن المَصْدَرَ الموصول لا يجوز تقديم معمول عليه.ولقائل أن يقول: هو متعلّق به على أنه مصدر، لكنه غير مؤول بحرف مَصْدَرِيّ، بل بمنزلة المصدر في قولهم: لَهُ ذَكَاءُ الحُكَمَاءِ وقد اعتذر صاحب هذا القَوْلِ بهذا العذر نفسه في موضع آخر مثل هذا.و{إلى حِينَ} الظَّاهر أنه متعلّق ب {متاع} وأن المسألة من باب الإعمال؛ لأن كل واحد من قوله: {مستقر ومَتَاع} يطلب قوله: {إلى حِين} من جهة المعنى.وجاء الإعمال هُنضا على مختار البَصْريين، وهو إعمال الثَّاني وإهمال الأول، فلذلك حذف منه، والتقدير: ولكم في الأرض مستقرّ إليه، ومتاع إلى حين، ولو جاء على إعمال الأول لأضمر في الثاني.فإن قيل: من شرط الإعمال أن يصحّ تسلّط كل من العاملين على المعمول، و{مستقر} لا يصحّ تسلّطه عليه لئلاّ يلزم الفصل بين المَصْدَر ومعموله، والمصدر بتقدير الموصول.فالجواب: أن المحذور في المصدر الذي يُرَاد به الحدث، وهذا لم يرد به حَدَث، فلا يؤول بموصول، وأيضًا فإنّ الظرف وشبهه فيه رَوَائِح الفعل حتى الأعلام؛ كقوله: الرجز: و{مستقر} يجوز أن يكون اسم مكان، وأن يكون اسم مصدر، مستفعل من القَرَار، وهو اللَّبْثُ؛ ولذلك سميت الأرض قرارًا؛ قال: الكامل: ويقال: استقر وَقَرَّ بمعنى واحد.قال قوم: المُسْتَقَرّ: حالتا الحياة والموت، وروى السّدي عن ابن عباس أن المُسْتَقَرّ هو القبر، والأول أولى؛ لأنه- تعالى- قرن به المَتَاع من الأكل والشرب وغيره، وذلك لا يليق إلا بِحَالِ الحَيَاة؛ ولأنه خاطبهم بذلك عند الإهباط، وذلك يقتضي الحياة والمَتَاع.واختار أبو البَقَاء أن يكون {إلى حين} في مَحَلّ رفع صفة ل {متاع}.والمتاع: البُلْغَة مأخوذة من متع النهار، أي: ارتفع.وقال أبو العباس المقرئ: والمتاع على ثلاثة أوجه:الأول: بمعنى العيش كهذه الآية.الثاني: بمعنى: المَنْفَعَة قال تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ} [المائدة: 96] أي: منفعة لكم ولأنعامكم.الثالث: بمعنى قليل قال تعالى: {وَمَا الحياة الدنيا فِي الآخرة إِلاَّ مَتَاعٌ} [الرعد: 26] أي: قليل.والحين: القطعة من الزمان طويلةً كانت أو قصيرةً، وهذا هو المشهور.وقيل: الوقت البعيد ويقال: عاملته مُحَايَنَةً، من الحِينِ، وَأَحْنَيْتُ بِالمَكَانِ: إِذا أقمت بهِ حينًا.وحان حين كذا، أي: قرب؛ قالت بُثَيْنَةُ: الطويل: وقال بعضهم: تزاد عيه التاء فيقال: تَحِينَ قُمْتَ، وسيأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى، وأنشد على زيادة التاء قوله: الكامل: . اهـ. باختصار.
|